الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

إسهام نظريات علم الاجتماع المعاصرة

 إسهام نظريات علم الاجتماع المعاصرة
في دراسة الاتصال الجماهيري
"رؤية تحليلية نقدية"
 د.طه نجم
 مقدمة
 تعددت الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع التي تهتم بدراسة الاتصال الإنساني بصفة عامة والاتصال الجماهيري خاصة. وقد ارتبط تفسير هذه الاتجاهات بالتوجهات الأيديولوجية السائدة. حيث يرى أصحاب النظرية البنائية الوظيفية أن الواقع الاجتماعي تحكمه القيم والأفكار والمعتقدات، بينما يرى أصحاب النظرية النقدية أن هذا الواقع تحكمه كيفية إنتاج أفراد المجتمع لمستلزمات معيشتهم وأسلوب توزيع عائد الإنتاج ونوعية العلاقات المترتبة على ذلك.
 ووفقا لهذه الاتجاهات تنظر البنائية الوظيفية إلى الإعلام باعتباره نسقا من الأجزاء المرتبطة. وتكمن الوظيفة الأساسية له في ربط أجزاء المجتمع وضمان وجود التكامل الداخلي بين أعضائه والقدرة على خلق استجابة لدى الأفراد، فضلا عن مسئوليته في عملية ضبط السلوك وتوجيه الآراء. أما النظرية النقدية فقد اكدت على مجموعة من القيم التي تسعى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية. وتركز على دراسة الوحدات الكبرى، حيث تهتم بالنظام الاجتماعي ككل. وتولي أهمية لاستخدام الصفوة للإعلام وكشف أثر سيطرة الحكام على الثقافة وأجهزة الإعلام ومحاولة اقتفاء أثرهم.
 العوامل التي دفعت العلماء إلى البحث عن نظرية اجتماعية في الإعلام
 انتشار الحرية على نطاق واسع في وسائل الإعلام بالنسبة للقضايا التي تتناولها
 تعد عملية تغطية الأخبار بطريقة صحيحة وموضوعية هدفا أساسيا يسعى الإعلام إلى تحقيقه
 ربما يكون الموضوع القديم والجديد في الوقت نفسه هو علاقة الإعلام بأمن المجتمع ووحدته،
 توجد العديد من الحوارات والمناقشات في كثير من الدول حول الأخلاق والجنس والجريمة والعنف ودور الرقابة المباشرة في الالتزام بالمعايير الأخلاقية
 من الواضح أنه منذ قديم الأزل، يبرز دور الإعلام في المجال التربوي والثقافي وفي معظم الفنون.
 المبحث الأول : علاقة الاتصال الجماهيري بنظريات علم الاجتماع
 بداية يجب أن نذكر أن ميدان الاتصال الجماهيري يعتبر حديثا نسبيا بالمقارنة بالعلوم الاجتماعية الأخرى ، وقد ساهمت تخصصات عديدة في نهضته مثل علم الاجتماع وعلم النفس والإدارة والقانون والسياسة وغيرها من العلوم الاجتماعية بالإضافة إلى بعض العلوم الطبيعية . صحيح أن ميدان الاتصال الجماهيري شهد في ربع القرن الأخير تطورا كبيرا سواء أكان على مستوى النظرية أو المنهج أو مجالات تخصصاته كعلم يدرس في الجامعات . ولم تقتصر هذه النهضة على العالم الغربي ، بل امتدت لتشمل العالم العربي ، وأصبحت هناك كليات للإعلام وأقسام متخصصة تقوم على تدريسه ، وتعتني بإجراء البحوث ورصد الظواهر الإعلامية في المجتمع . وبالإضافة إلى ذلك برزت آراء تنادي بضرورة استقلال علم الاتصال عن العلوم الاجتماعية الأخرى
 وبينما دعت الآراء السابقة إلى ضرورة استقلال الاتصال الجماهيري عن العلوم الاجتماعية الأخرى ، وجدت آراء أخرى معارضة لهذه الفكرة . وتبنى إحداها " الفونس زيلبرمان A. Silberman وأودو ميكائيل كر وجر ‘.U M Kruger في كتابهما "سوسيولوجيا الاتصال" .حيث تناول الكتاب في أحد فصوله الموقف النظري لبحوث الاتصال الجماهيري، عبر فيه المؤلفان عن وجهة نظر تؤكد أن ميدان بحوث الاتصال لم يتطور بعد إلى الحد الذي يمكن أن يعد فيه ميدانا علميا مستقلا برأسه . فهو ما زال يمثل مبحثا علميا متميزا ، أو نقطة التقاء علمية تتقاطع عندها اهتمامات طائفة من العلوم الإنسانية والاجتماعية
 مظاهر العلاقة بين الاتصال الجماهيري وعلم الاجتماع
 يذهب الفريق الأول من الباحثين في دراستهم إلى أن إسهام النظرية البنائية الوظيفية من خلال الدراسات الأمريكية أمر لا يساوره الشك . ويرى أصحاب هذه التوجه أنه يرجع الفضل إلى رواد هذه النظرية في تطوير بحوث الإعلام ونظرياته . ومن أمثلة هذه الدراسات كتاب " ملفين ديفلير وساندرا بول روكيتش" المعنون "بنظريات وسائل الإعلام " ، إذ أشار الباحثان إلى أهمية نظرية المجتمع الجماهيري في الدراسات الإعلامية ، وتحدثا عن نظريات التأثير الاختياري ممثله في نظريات الفروق الفردية ونظرية العلاقات الاجتماعية
 وبينما اتجه الفريق الأول من الباحثين إلى التركيز على إسهام النظريات الوظيفية في دراسة الاتصال الجماهيري ، ذهب الفريق الآخر ليؤكد أهمية النظريات البنائية الوظيفية و النقدية معا ، وعلى سبيل المثال اهتم " دينيس ماكويل" في معظم كتاباته ومقالاته بالمنظور السوسيولوجي في دراسة الاتصال الجماهيري ، وهو صاحب الكتاب الهام "علم اجتماع الاتصال الجماهيري" Sociology of Mass Communication حيث أكد أهمية دراسة الاتصال الجماهيري, من خلال منظورات متعددة ، فقد تحدث عن نظرية المجتمع الجماهيري, والمنظور الماركسي والبنائية الوظيفية, والنظريات النقدية وغيرها من التوجهات النظرية المختلفة
 المبحث الثانى.إ سهام نظريات علم الاجتماع المعاصرة في دراسة الاتصال الجماهيرى
 بالرغم من تعدد تقسيمات نظريات علم الاجتماع وتنوعها ، نستطيع حصرها في اتجاهين رئيسيين هما : النظريات البنائية الوظيفية والنظريات النقدية . وقد اعتبرت الأولى الإعلام نسقا اجتماعياً تكمن وظيفته الأساسية في ربط أجزاء المجتمع وضمان استقراره ، بينما اهتمت النظريات النقدية بتحليل وظائف وسائل الإعلام ، وأثر سيطرة الصفوة عليها . وقد انبثقت عن هاتين النظريتين الكبيرتين اتجاهات نظرية فرعية :فانبثقت عن البنائية الوظيفية نظريات التفاعلية الرمزية والفينومينولوجيا وتحليل الثقافة . بينما تفرعت النظرية النقدية إلى ثلاث اتجاهات فكرية هي مدرسة فرانكفورت والماركسية المحدثة ونظريات إنييس وماكلوهان وسمايث النقدية
 اولا: النظريات البنائية الوظيفية ودراسة النسق الاتصالي:
 تهتم البنائية الوظيفية بدراسة الإعلام باعتباره إدارة ذاتية هامة، وتصحح نفسها في إطار سياسة معينة وقواعد مؤسساتية. وتظهر خصوصيتها في موضوعيتها وتطبيقاتها العامة. أما عن الجانب السياسي في صياغتها، فهو يناسب مفاهيم التعددية وحرية الاختيار، ويناسب أيضا الآليات الأساسية للحياة الاجتماعية في الاتجاه المحافظ. والإعلام من وجهة نظر البنائية الوظيفية يقصد به الحفاظ على القيم السائدة، فضلا عن استخدامه كمصدر للتغيير الاجتماعي. وتعد المؤسسة الإعلامية من وجهة نظر البنائية الوظيفية إحدى المؤسسات التي تهتم بتفسير الاتجاهات وأنشطة المؤسسات في ضوء حاجات المجتمع. ويفترض مسبقا أن »الحاجات« أساسا هي عملية مستمرة ومنظمة ومتكاملة وتتطلب دوافع وتوجيه وتكيف. وينظر إلى المجتمع باعتباره مجموعة من الأجزاء المرتبطة أو الأنساق الفرعية.
 ولقد بدأت إسهامات علماء الاجتماع الوظيفيين بمقالة عن " وسائل الإعلام وبناء المجتمع الأمريكي " وكتبت أساسا سنة 1960 ونشرت في كتاب "بارسونز" البناء السياسي والاجتماعي سنة 1969. وصنفت بعد ذلك ضمن تخصص علم اجتماع وسائل الإعلام Sociology of Mass Media ولاقت هذه المقالة اهتماما كبيراً عندما هاجم "سي. رايت ميلز C. wright Mills بارسونز في تحليلاته للإعلام والثقافة في كتابه "صفوة القوة" ، خاصة عندما قدم منظوراً مشابها سماه "المجتمع الجماهيري" Mass Society
 واستمر اهتمام أصحاب الاتجاه الوظيفي بالإعلام ووسائله ؛إذ قدم كل من "ديفلير" Defleur وبول روكيتش Bol Rokeach وبارسونز و "وايت" تحليلا لدور الإعلام في المجتمع الأمريكي . فهم يفترضون أن هذا المجتمع توجد به ثلاثة أنساق هي : الاقتصادي والسياسي والإعلامي . وهدفوا من تحليلاتهم إلى تفنيد فكرة ازدياد الانحلال الثقافي الذي تعاني منه الولايات المتحدة نتيجة سيطرة الشركات الكبرى العاملة في صناعة الإعلام على الرأي العام ومحاربتها الأفكار النقدية . وقد ركزت تحليلاتهم على مجموعة من الأفكار تدعم جميعها فكرة أساسية تتمثل في أن الحرية التي يتميز بها المجتمع الأمريكي أفضل من القمع المتزايد الذي يدعو إليه منظرو المجتمع الجماهيري
 ولقد واجهت البنائية الوظيفية بعض صعوبات تتمثل في أن هناك فرصة ضعيفة لإثبات التأثير الطويل المدى للوسيلة، وربما يكون تأثيرها مفيداً أو ضارا، ولا نستطيع إثبات ذلك بواسطة نتائج البحوث الإمبيريقية. ونظرا لهذه الصعوبات التي واجهت كلاسيكى الوظيفية في افتراضاتهم النظرية ، دعا مجموعة من علماء النفس الاجتماعي أمثال »هربرت بلومر« و»تشارلز كولى« وأصحاب الاتجاه الفينومينولوجي والاثنوميثودولوجي إلى ضرورة تكوين بناء فكري يستطيع استكمال مهمة الاتجاهات الكلاسيكية. وعرفت اتجاهاتهم بما يسمى بالبدائل النظرية التي اهتمت بنقد الاتجاه الكمي والإحصائي، واتجهت نحو دراسة الحياة اليومية وعلاقات التفاعل بين الأفراد،
 التفاعلية الرمزيةوالسلوك الاتصالى:
 تبرز أهمية التفاعلية الرمزية في دراسة الاتصال من خلال اهتمامها بفكرة تبادل التفاعل الاجتماعي، واستخدام المعاني المشتركة كأساس للتفسير الفردي للعالم الموضوعي. فقد اقتنع »تشارلز كولى« بأن الناس لا يستطيع مع بعضهم الانتساب إلى بعض على أساس صفاتهم الموضوعية كما هي موجودة في الواقع، بل من خلال »الانطباعات« التي يخلقها كل منهم لدى الآخرين من خلال عملية التفاعل فيما بينهم. ووصف »كولى« هذه »الانطباعات« بإسم »الأفكار الشخصية«؛ فنحن نكون »فكرة شخصية« عن كل شخص نعرفه. وبمعنى أشمل نكون »فكرة شخصية« أيضا عن الناس في قطاعات مختلفة إذا نظرنا إلى كل منها كجماعة
 الفروض الأساسية التي تنهض عليها ابحاث التفاعلية الرمزية والاتصال
 1- يعتمد فهم الناس للبيئة وإدراك ما يحتويها على الاتصال ، وبمعنى آخر :إن ما نعرفه عن عالمنا هو نتيجة لخبراتنا الاتصالية السابقة إلى حد كبير في هذا العالم.
 2- يقوم الاتصال بدور المرشد، ويأتي ذلك من خلال توجيه مفهومات الذات والدور والمواقف. وتعد هذه المفهومات نتاج خبراتنا في البيئة،

 ويستدل مما سبق أن نظرية التفاعلية الرمزية تركز محور اهتمامها حول نقطة أساسية تتمثل في أن الاتصال هو شرط أساسي لحدوث التفاعل الاجتماعي .فاتصال الفرد بالآخرين هو الذي يحدد طريقة تفاعله معهم وكذلك فإنه يحدث نتيجة هذا التفاعل . ويعتبر الاتصال هو المصدر الأول للخبرة غير المباشرة ، ويبرز دوره في توجيه الفرد وتعريفه بيئته ، وإدراك مجتمعه . وقد برزت أهمية نظرية التفاعلية الرمزية في الوقت الراهن للباحثين الإعلاميين ، خاصة بعد انتشار الوسائط المتعددة وتداخل وسائل الإعلام في تأدية وظائفها
 النظرية الفينومينولوجية وبناء المعاني:
 توجد علاقة وثيقة بين تركيب اللغة والطريقة التي يستخدم الناس بها هذه اللغة لإثارة المعاني في داخلهم. وبدأ في منتصف القرن التاسع عشر إجراء دراسة متخصصة لمختلف اللغات المستخدمة، حتى يمكن فهم المبادئ العامة لكيفية نقل المعاني عن طريق الأصوات والكلمات ونظائر المفردات. وقد أدى ذلك إلى محاولات لإعادة تركيب اللغات القديمة، حيث حول علماء اللغات أبحاثهم إلى الماضي البعيد،
 ويتألف علم اللغات أساسا من البحث المنظم لثلاث نواح للغة، مما يساعد على فهم كيفية استخدام الشعوب للاتصال ونقل المعاني. وأول ميادين البحث هو دراسة الأصوات Phonology وهي التي تستخدم لتركيب الكلمات، ويهتم الثاني بتركيب الجمل syntactics ، حيث يستخدمها الإنسان لنقل معان أكثر مما تحمله معاني كل كلمة وحدها، وأخيرا يوجد ميدان دراسة المعاني في اللغة وتطور الدلالات عبر التاريخ الذى يهتم ببحث الارتباط بين الكلمات أو الرموز الأخرى وما تشير إليه من معان، أي مختلف نواحي الواقع التي تحل محلها هذه الكلمات(
 ويرى المنظور السائد في الاتصال الجماهيري أن الوسيلة تعتبر المحور الرئيسي لتمثيل المعتقدات المشتركة، فضلا عن أنها مجرد عملية لنشر المعلومات، وهذا يناقض المنظور التحولي الذي يرى أن الوسيلة هي أداة لنقل المعلومات، وعادة ما يكون الغرض منها هو التحكم، بينما يوجد السخط على وسائل الإعلام، ويمثله نموذج التأثيرات المحددة الذي بدأ ينمو في السبعينيات والثمانينيات، ويتركز بوضوح في نظريات الاتصال. ومع التوجه الاجتماعي بدأ الاهتمام بهذا المنظور.
 ويفترض التركيب الاجتماعي للواقع أيضا أن الناس يستجيبون للمعاني عندما يستخدمون الرموز والاشارات، فهي التي تشكل المخزون الاجتماعي للمعرفة، وبواسطتها تحدث التفاعلات بين الناس وبيئاتهم. وقد شملت نظرية »جوفمان« Goffman إطارا لكل من أصحاب نظرية التفاعلية الرمزية ونظرية التركيب الاجتماعي للواقع، حيث أثبت أن قدرتنا على الاختيار المستمر للأشكال المناسبة لتوجيه إدراكنا، قد تجعلنا نشعر بما اكتسبناه من خبرات
 ويستدل مما سبق أن النظرية الفينومينولوجية قد حاولت استخدام وسائل الإعلام فى تفسير واقع الحياة اليومية ، حيث تهتم الفينومينولوجيا بدراسة المعاني والخبرات المشتركة بين الأفراد في المجتمعات بوصفها أساسا للحياة الاجتماعية, وتعتبر هذه النظرية هامة للباحثين الإعلاميين المعنيين بضرورة اندماج الرسالة الإعلامية في المجتمع, حيث تكمن الوظيفة الأساسية للإعلام في التعبير الموضوعي للواقع الاجتماعي ، وبحث احتياجات الناس والتعبير عن قضاياهم ومصالحهم . إذ يعتبر الإعلام جزءا من الواقع الاجتماعي ، لكن ما نلاحظه وجود انفصال بين ما يقدم في وسائل الإعلام وحياة المواطنين.
 نظرية تحليل الثقافة ونمط استخدام الوسيلة:
 نظرا لزيادة أهمية وسائل الاتصال الجماهيري في الوقت الراهن أصبحت عاملا أساسيا في تشكيل واقع الحياة اليومية التي يعيشها الناس . وقد بدأ الحديث عن استخدام وسائل الإعلام كنظم ثقافية منذ أن أشار " جمس كاري " (James Carey) 1975 عن أهمية نقل الثقافة في كتابة Geertz`s the Interpretation of cultures وقد أكد هذا الكتاب على تداخل العلوم الاجتماعية . وأصبح بعد ذلك مرجعا كلاسيكيا للباحثين في مجال الاتصال ، وكان بمثابة حجر زاوية ساهم في تحول بحوث الاتصال الى الجانب التفسيري .
 ولقد أصبحت وسائل الإعلام هي الأولى التي تمدنا بكثير من الخبرات أو نتعلم منها كثيرا من مظاهر الحياة من حولنا. ومع تقدم وسائل الإعلام، اختفت كثير من أشكال الثقافة الشعبية، حيث اختفت القصة المروية والموسيقى المؤداة باختفاء الأسر الممتدة، وحلت محلها الأسر النواة التي تتجمع أمام وسائل الإعلام المعاصرة. وترى نظرية المجتمع الجماهيري أن هذه التغيرات التي أحدثتها وسائل الإعلام في حياتنا سوف تنذر بالخطر، لأن ثقافة هذه الوسائل تفترض بأننا يجب أن نكون تابعين لثقافة الصفوة. وبينما تنتشر الثقافة الجماهيرية
 وإذا حاولنا نعرف وضع وسائل الإعلام العربية تجاه الثقافة نجد أن هناك تباينا في الآراء إذ ذهبت بعضها إلىتأكيد العامل الإيجابي الذي لعبته في نشر المعلومات وزيادة الاتصال والتواصل بين الشعوب والتصدي لعمليات الغزو الثقافي التي تمارسها الدول المعادية. أما الرأي الآخر فيذهب إلى القول بأن وسائل الإعلام ساعدت على نشر الثقافة المبتذلة، وتقدم مواد إعلامية تافهة وسطحية تعتمد على الإثارة والتشويق بدلاً من التعمق والتفكير؛كما ساعدت على نقل الثقافات الغربية المبتذلة التي تركز على الجنس والعنف
 وقد اهتمت دراسات الاعلام بتحليل أنماط الثقافات ؛ إذ قام كل من مولتوش Molotch وليستر Lesterبدراسة الأخبار باعتبارها سلوك مقصود . وأعد "تيشمان Tuchmanدراسة على المؤسسات الصحفية . وأجرى "لايول Lull دراسة عن الاستخدامات الاجتماعية للتلفزيون، وتساءل فيها عن دور الإعلام وخصوصا التلفزيون ، في حياة المجتمع ، حيث تستخدمه الأسر وتتفاعل معه بطريقة اعتيادية. وقد هدف "لايول " من دراسته التعرف على أنماط التفاعل والاتصال القائمة في حياة الإنسان الطبيعية بالمنزل(
 وتتجه نظرية تحليل الثقافة إلى دراسة الوحدات الصغرى Microscopic وتركز على نمط استخدام الناس للوسيلة، وجعلهم يحسون بأنفسهم والعالم من حولهم، والكشف عن النتائج المترتبة على استخدام وسائل الإعلام في حياتنا اليومية. وتتجاهل هذه النظريات تأثير السياسة الاجتماعية. وتتجه في دراستها نحو الاهتمام بالجوانب غير النقدية. وتعتبر نظرية تحليل الثقافة اقل اهتماما بنتائج تأثير المدى الطويل للإعلام، ولكنها أكثر اهتماما بالبحث عن تأثير الإعلام في حياة الفرد.
 وهكذا نجد أن نظرية تحليل الثقافة قد أكدت دور الإعلام في تشكيل الثقافة، وذلك بمالها من تأثير في تشكيل الواقع الاجتماعي وتغييره. وقد اشتركت المنظورات التحليلية للثقافة و المنظورات النقدية في تطوير أساليب جديدة لكشف تأثير الإعلام في الثقافة وتنمية هذه الأساليب، وعملا على تطوير بناء نظري متكامل، وأكدا أهمية الإعلام في تشكيل وجهات نظر الناس عن أنفسهم وبيئاتهم الاجتماعية. وكلاهما يفترض أن الإعلام أصبح الوسيلة الأساسية التي تعلم الناس وتجعلهم يشتركون في ثقافة عريضة. وأثبتا أن الإعلام يمارس تأثيرا فعالا في النظم الاجتماعية المعاصرة.
 ثانيا: النظريات النقدية ودراسة الاتصال الجماهيري:
 تفترض النظريات النقدية أن البحوث الاجتماعية ينبغي أن تركز على مجموعة من القيم مثل الأهداف المثالية،ويكون هدفها ارشاديا وتسعى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية، وغالبا ما تهتم النظريات النقدية بفحص مشكلات اجتماعية محددة، مع تحديد مصادرها، ثم التوصية بحلولها. وينتمي معظم أصحاب هذه النظرية إلى حركات اجتماعية يكمن هدفها الأساسي في محاولة إخراج الافتراضات النظرية إلى حيز التنفيذ

 اهتمت النظرية النقدية بعلاقة الإنتاج الإعلامي بالمشكلات الاجتماعية. وقد تبنت دراسات الثقافة النقدية منظورا شاملا في دراسة الوحدات الكبرى، حيث تهتم بالنظام الاجتماعي ككل. وتركز على استخدام الصفوة للإعلام، وكشف نتائج استخدامهم له، وتأثير ذلك في المحافظة على قوتهم. ويتميز الباحثون الذين ينتمون إلى دراسات الثقافة النقدية بأن لهم نشاطا سياسيا، ويبذلون جهدا في تشكيل السياسة الاجتماعية. ويرجع ذلك إلى انتمائهم إلى بيئاتهم الاجتماعية، باعتبارهم قادة وينتمون إلى حركات اجتماعية قائمة. وعلاوة على ذلك يفسرون القيم المستخدمة في تقييم الوضع الراهن
 وقد ركزت النظرية النقدية الإعلامية والنظرية النقدية الثقافية على قضايا القوة والصراع والتغيير . وتبدو هذه المنظورات عند كل من " جرامشي " و " التوسير" و " وبولنتزاس Poulantzas وأدورنو وهوركهايمر ومنظورات الدراسات الثقافية ممثلة في فكر كل من " ريموند ويليامز Raymand willams وهيرمان Herman وتشومسكي Chomsky ، حيث اهتموا جميعا بمفاهيم الثقافة وأمبريالية الإعلام والعولمة. ويعتبرون الإعلام قوة موجهة ، ويهدف في النهاية إلى فهم الواقع الاجتماعي
 وترجع الأصول الفلسفية للنظرية النقدية إلى الماركسية الكلاسيكية. فبالرغم من أن ماركس نفسه لم يعرف الإعلام قبل أن يبرز التأثير المعاصر لوسائل الإعلام، من الممكن أن نحلل الوسائل المعاصرة طبقا لأفكاره.إن الإعلام يعني وسائل إنتاج والتكيف مع نمط عام لشكل الصناعة الرأسمالية وظروف الإنتاج وعلاقاته. ومن المرجح أن يشكل احتكار الطبقة الرأسمالية لوسائل الإنتاج عاملا أساسيا في الترويج لأفكارها والتعبير عن مصالحها. ويحاولون ايديولوجيا نشر أفكارهم والتقليل من شأن الأفكار التي تدعو إلى التغيير أو تنمية وعي الطبقة العاملة، ومنع عمليات تعبئة مثل هذا الوعي في إطار أحزاب أو أنشطة سياسية معارضة
 وعلى الرغم من أن أصحاب النظريات الإعلامية المعاصرة طالبوا بإصلاح النظام الاجتماعي، يرجع الفضل إلى ماركس، حيث كان المحرك الأول الذي نادى بخلق مجتمع جديد، مجتمع تلغى فيه الطبقات، وينهض فيه العمال ضد أصحاب رؤوس الاموال، ويطالبون بوضع نهاية للسخرة، ويتحدون معا لخلق مجتمع ديمقراطي عادل. وقد اعتقد ماركس أن الحكام سيطروا على المجتمع من خلال هيمنتهم على وسائل الإنتاج. وظل الحكام في موقع القوة من خلال سيطرتهم على »الثقافة« أو »التركيبة الاجتماعية«. ونظر إلى الثقافة باعتبارها شيء يمارسه الحكام ليضللوا الطبقات العاملة حتى يعملوا ضد مصالحهم أنفسهم
 وللنظريات النقدية مصدر مختلف آخر، وهو النقد الإنساني للنصوص الأدبية والدينية. وقد تخصص الإنسانيون في تحليل النصوص المكتوبة منذ عصر النهضة.وكان هناك هدف موضوعي وراء ذلك هو تحقيق هذه النصوص ذات القيمة الثقافية العظيمة وترجمتها حتى يتسنى للآخرين فهمها وتقييمها. وكانت هذه النصوص بمثابة قوة حضارية في المجتمع. واستخدم النقد لتدعيم هذه القوة. وقد حاول أصحاب »الحركة الإنسانية« العمل على تحقيق مبادئ النظرية اللاهوتية وحفظها، وركزوا على التوراة وكتابات علماء اللاهوت
 ويتضح من عرض الأسس النظرية التي انطلقت منها النظرية النقدية أن الماركسية الكلاسيكية وأصحاب الاتجاه الإنساني في دراسة الأدب قد أسهما بطريقة فعالة في تأسيس هذه النظرية، حيث تفرعت منها مدارس نقدية عديدة، نحاول إلقاء الضوء على مدرسة فرانكفورت ونظرية الاقتصاد السياسي في الإعلام وأخيرا نظريات "انييس" و"مارشال ماكلوهان" و "سمايث.
 مدرسة فرانكفورت والدراسات الثقافية النقدية.
 ينتمي عمل مدرسة فرانكفورت إلى الاتجاهات الماركسية، لأنها تهتم إلى حد كبير بالتاريخ، لكنها تركت ميراثا ثقافيا هاما لا يمكن تجاهله. ويمكن أن نطلق على هؤلاء المنظرين النقديين ، أصحاب المنظور الثقافي ؛إذ بدأوا أعمالهم في ألمانيا الغربية، ثم تشتتوا مع قدوم النازية، وذهبوا بصفة رئيسية إلى الولايات المتحدة. وركزوا اهتمامهم على الفشل الواضح لثورة التغيير الاجتماعي التي تنبأ بها ماركس، وأرجعوا هذا الفشل إلى البنية الفوقية – وخصوصا وسائل الإعلام- وتجاهل العمليات التاريخية للتغيير الاقتصادي.
 وتؤكد هذه النظرية أن السيطرة الاقتصادية الأيديولوجية الطبقية تأتي مشروطة بالأساس الاقتصادي من خلال عمليات استمالة الطبقة العاملة وتدميرها. وتؤكد النظرية النقدية أيضا اعتماد الشخص والطبقة على التصورات التي تطبعها وسائل الإعلام في أذهانهم. وقد أعطى »ماركيوز« مسمى »البعد الواحد« one dimentional للمجتمع الذي توجد فيه ثقافة من صنع محترفي السياسة والرأي العام
 وقد رأى "ماركيوز" المجتمع الصناعي عالما تسوده الكلية الاستبدادية لأن لديه القدرة على القضاء على أي محاولة لمعارضته ونفيه ، وتجميع القوى الاجتماعية التي يمكن أن تعارضه وتذويبها ، فضلا عن القضاء على استثمار جميع طاقات الإنسان الجسدية والروحية وجميع القوى الاجتماعية للذود عنه وحمايته. ويرى " ماركيوز" أن وسائل تزييف الوعي في المجتمعات الصناعية المتقدمة قد تعاظم خطرها في الآونة الأخيرة ، وذلك بفعل التكنولوجيا
 ويبدو أن تزييف الوعي الذي تمارسه وسائل الإعلام لا يقتصر على المجتمعات الرأسمالية التي تحدث عنها "ماركيوز" .فإذا نظرنا إلى واقع مجتمعاتنا العربية ،نجد أساليب متعددة ومتنوعة لعمليات التزييف تمارسها الحكومات من خلال تبعية الأجهزة الإعلامية لسلطتها، وتمارسها الشركات المتعددة الجنسيات من خلال فرض نمط إعلامي معين . وتبرز عمليات التزييف في التضليل الإعلامي الذي أصبح سمة أساسية في إعلامنا العربي . ولا يقتصر التضليل على قلب الحقائق أو إخضاعها ، ولكن بتقديم الحقيقة مبتورة أو مشوهة . وتتعدد أشكال عمليات التضليل التي تمارسها وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت صحافة أو إذاعة أو تليفزيون
 ويبدو إسهام أعضاء مدرسة فرانكفورت في دراسة الاتصال الجماهيري من خلال اهتمامهم بنقد وسائل الإعلام التي تحاول إعادة إنتاج الفن العظيم القديم مثل طبع الروايات العظيمة في أشكال ملخصة أو مسلسلة. ويرون أن مثل هذه العمليات صرفت الناس عن البحث وشراء المصادر الحقيقية للثقافة العالمية، وعندما أجبر أعضاء هذه المدرسة على الخروج من ألمانيا خلال الحرب النازية، توجهوا إلى الولايات المتحدة وكرسوا جهدهم للتحليل النقدي للثقافة النازية، والطريقة التي قوضت الثقافة العالمية وأضلتها
 . ومن وجهة نظرهم أن الثقافة النازية قد اختلطت وطحنت بثقافة مصطنعة مزيفة، قام بخلقها وممارستها هتلر وإعلاميوه. وكان »ادورنو« واحدا من الأعضاء القلائل لمدرسة فرانكفورت الذين شاركوا الباحثين الأمريكيين. وشملت اتصالاته الأمريكية المبكرة »بول لازارسفيلد« الذي اقنع مؤسسة الإعلام في كولومبيا بتمويل بعض أبحاث »ادورنو«. وتميز عمله بالأسلوب الجدلي، فكتب نقدا لاذعا لبرامج الراديو الأمريكي. وقام بقيادة فريق بحث لدراسة اتجاهات المواطنين نحو النظام الحاكم ومدى احتمال انتشار النازية. وبالرغم من أن هذا البحث كان مبدعا وطموحا، واجه كثيرا من المشكلات النظرية والمنهجية خاصة في تطوير المصطلحات لقياس الاتجاهات
 وفي نقده للنظام الرأسمالي يرى " أدورنو" أن هذا النظام مازال يولد شعوراً بعدم الأمان الاقتصادي . وأي نسق اجتماعي يستبعد القدرات الإنسانية الأساسية يخلق شعوراً بعدم الأمان . والشعور بأننا نملك قوة لا يمكننا استخدامها هو شعور مدمر . لذا فقد هيئت الثقافة العامة لإنتاج شعور بديل هو في حقيقته شعور زائف بالأمان والاستقرار . وهو شعور فعال رغم زيفه ، ويتم خلق ذلك الشعور الزائف بتوحيد المواصفات القياسية لمنتجات الثقافة، حيث تحاول وسائل الثقافة الشعبية – من التمثيليات التليفزيونية العاطفية إلى أغاني الشباب المتداولة إلى النشاطات الرياضية – كل بطريقتها التركيز على بث الاطمئنان
 وقد اشتركا "أدورنو" و "هوركهايمر "في أحد الأعمال التي تعتبر إسهاماً عظيما في مجال الإعلام عنوانه" الاتصال والثقافة والسيطرة " حيث ركزا على عقد مقارنة بين الثقافة والدولة النازية في الأربعينات والثقافة، والاقتصاد الضخم في الولايات المتحدة الأمريكية فى العصر الراهن . وقد أدركا أن هناك تشابها ملحوظا بين النظامين .وبرز هذا التشابه ليس على مستوى التسلط العسكري فقط، بل برز أيضا موقفهما من أي تفكير مستقل ومقاومتهما له من خلال الإعلان والثقافة الجماهيرية . وذكرا في تحليلهما أن هذا التوجه يقضي على أي تفكير نقــدي
 وبالإضافة إلى اهتمام "هابيرماس" بالفعل الاتصالي ، فقد أشار إلى مفهوم المجال العام Public sphere الذي يهتم بتقييم الشؤون المعاصرة والسياسة العامة . وقد ركز هابيرماس في تحليلاته على قوة تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام ؛ إذ يعد الرأي العام من أكثر القضايا التي تشغل الحكومات . وأشار أيضا إلى أن الدعاية والإعلان أصبحت سلعاً تستغلها الحكومات والشركات في حماية مصالحها وتحسين صورتها
 ويستدل من تحليل أعضاء مدرسة فرانكفورت في الإعلام أنهم نظروا إليه من منظور أيديولوجي ، حيث تأثروا بالماركسية في تحليلاتهم . وقد برز التباين الأيديولوجى بين نظريتي تحليل الثقافة والدراسات الثقافية النقدية واضحاً؛ فقد اتجهت الأولى إلى دراسة الوحدات الصغرى Macro بينما اهتمت الثانية بدراسة الوحدات الكبرى Macro ، وتركز نظرية تحليل الثقافة على نمط استخدام الناس للوسيلة وجعلهم يحسون بأنفسهم والعالم من حولهم ، والكشف عن النتائج المترتبة على استخدام وسائل الإعلام في كل حياتنا اليومية
 -الماركسية المحدثة ونظرية الاقتصاد السياسى فى الاعلام.
 تنطلق الماركسية المحدثة من الإطار التصورى والمنهجي للماركسية الكلاسيكية. وتأتي حداثتها من أنها تعيد قراءة الماركسية، فتحاول إظهار مسار عمل القوانين النوعية للتطور الاجتماعي، ومن خلال المعطيات التي يفرزها الواقع الاجتماعي المتغير. ويتميز موقفها بالأسلوب النقدي والراديكالي. وقدم مؤسسوها»جرامشي« و»لوسيان جولدمـان« و»فرانز فانون«- معطيات وحقائق، لكنها لم تخرج عن الإطار المعرفي والايديولوجي للنظرية الماركسية الكلاسيكية
 وقد قسمت الماركسية المحدثة إلى مدارس هامة ومتعددة وتعد الدراسات الثقافية البريطانية ونظرية الاقتصاد السياسي أهم هذه المدارس . إذ حاولت الأولى- الدراسات الثقافية البريطانية- ربط النظرية الماركسية بأفكار ومناهج بحث ناتجة عن مصادر متنوعة تضم النقد الادبي واللغويات والأنثروبولوجيا والتاريخ. وحاولت هذه النظرية أن تتبع اثر سيطرة الحكام التاريخية على الثقافة ومحاولة اقتفاء اثرهم، ونقد الآثار الاجتماعية لهذه السيطرة. وركزت أيضا على دراسة ثقافة جماعات الأقلية
 لقد بدأت إسهامات "جرامشى" فى الدراسات الإعلامية عندما رفض مفهوم المادية الاقتصادية للماركسية، وتقديمه منظورا إنسانيا لها يركز على ذاتية الإنسان .وقد ارتبط إسهامه أساسا بتطويره لمفهوم السيطرة، حيث كان يسعى إلى إعادة تحديد طبيعة القوة في المجتمعات الصناعية، والتوصل إلى معرفة المستويات المختلفة للوعي السياسي والثقافي. ويرى »جرامشي« أن مصادر القوة في المجتمع تتركز في يد عملاء الصحف والرأي العام.
 ونستطيع أن نتعرف مظاهر السيطرة التي أشار إليها جرامشي في عالمنا العربي بأكثر من طريقة . فقد نجحت وسائل الإعلام على سبيل المثال في الترويج للأفكار والقيم الغربية وإقناع الجماهير بها من خلال المسلسلات والأفلام والأغاني ، في مقابل التجاهل المتعمد وتسطيح الثقافة العربية الإسلامية . والمدهش في هذا الأمر هو تبني قاعدة كبيرة من هذه الجماهير لهذه القيم باعتبارها نمطا في سلوك حياتهم اليومية . وأصبحت هي النموذج الذي يتبع
 وتعتقد "رينا مستري Reena Mistry أن نظرية " جرا مشى " تعد نقطة هامة في كشف التمثيلات العرقية في مجال الإعلام؛ لأنها تركز على الثقافة والأيديولوجية ، وعلى خلاف النظريات الماركسية في السيطرة . إذ يتجاهل جرامشى العوامل الاقتصادية ، ويركز على دور المثقفين في هذه العملية . وفي الواقع يشكل التلفزيون والسينما مركزا أساسيا للثقافة الشعبية ، حيث ركزت مقولات جرا مشى على واقع الحياة اليومية وقيم الشعور العام في محاولة لتحديد آليات الهيمنة
 وامتدادا لهذا الفكر تتبع »جرهام ميردوك« Graham Murdock نهضة الثقافة البريطانية أثناء عقدي الستينات والسبعينات، حيث رأى أن معظم وأهم أصحاب هذه المدرسة- الدراسات الثقافية البريطانية- كانوا ينتمون إلى الطبقات الدنيا. وانتقدوا الأيديولوجية القائمة ورفضوها صراحة نظرا لهيمنة ثقافات الطبقة العليا على مجموعات الأقليات. وكان »ريموند ويليامز« Raymond Williams أحد رواد المدرسة البارزين،
 وقد أنتجت الدراسات الثقافية البريطانية أبحاثا متنوعة عن محتوى الإعلام الشعبي، بل أثرت على الأبحاث الأمريكية، وخاصة النسائية منها وكذلك على دارسي الثقافة الشعبية. ويعد البحث الذي قدمته »جانيس رادوي« Janice Radway سنة 1984 أحد افضل النماذج للتعبير عن أفكار الدراسات الثقافية. وأوضحت »رادوي« في تحليلها للمحتوى الشعبي للقصص الرومانسية أن شخصياتها وحبكاتها ناتجة عن الأساطير التي يفترض فيها أن سيطرة الرجال في الترتيب الاجتماعي طبيعية وعادلة. فالرجال يقدمون بصفة روتينية على أنهم أقوياء ومعتدون، بينما النساء ضعيفات وسلبيات، وليس لديهن الاستقلالية. ويجب على المرأة أن تنال هويتها من خلال مشاركتها مع الرجل.
 نظرية الاقتصاد السياسي في الإعلام:
 تعد نظرية الاقتصاد السياسي في الإعلام من المسميات القديمة التي ظلت باقية كي تثبت منظورا يركز على البناء الاقتصادي، فضلا عن المضمون الأيديولوجى للإعلام. وتؤكد هذه النظرية تبعية الأيديولوجية للأساس الاقتصادي. ويتجه اهتمام بحثها إلى التحليلات الامبيريقية لبناء الملكية وأسلوب قوى السوق الإعلامي. ومن خلال هذه النقطة تعتبر المؤسسة الإعلامية جزءا من النسق الاقتصادي مع ضرورة الارتباط بالنسق السياسي
 وتكمن القوة الأساسية لهذه النظرية في قدرتها على إجراء افتراضات أمبيريقية قابلة للاختبار عن محددات السوق. وبالرغم من توافر هذا الإجراء لم يكن تحديده أمبيريقيا بالأمر السهل. وبينما تركز هذه النظرية اهتمامها على الوسيلة- باعتبارها تقود العمليات الاقتصادية إلى السلعة، يوجد اهتمام بمنظور الاقتصاد السياسي الذي يفترض أن الإعلام منتج جماهيري حقيقي. وفي هذا المعنى يوجهون انتباه الجمهور إلى الإعلانات التي تشكل سلوك الجماهيري بطريقة معينة متميزة
 ويهتم أصحاب نظرية الاقتصاد السياسي بسيطرة الحكام على المؤسسات الاقتصادية كالبنوك والأسواق وتحكمهم فيها. ويحاول هؤلاء الباحثون توضيح تأثير هذه السيطرة على مؤسسات اجتماعية أخرى منها وسائل الإعلام. ويهتم الاقتصاديون السياسيون أيضاً بدراسة دور الاقتصاد في تشكيل الثقافة التي تنتجها وسائل الإعلام؛ فهم لا يهتمون كثيرا بالبحث عن كيفية تأثير الثقافة في مجموعات محددة أو شرائح مختلفة، ولكنهم يهتمون بشكل اكبر بفهم أسلوب السيطرة على عملية الإنتاج، ويبحثون عن أسباب سيطرة بعض الأشكال الثقافية على أوقات التليفزيون دون غيرها
 وربما كانت المحطات الفضائية العربية خير نموذج يبرز فيه تأثير الاقتصاد في الإنتاج الثقافي والإعلامي. فعندما خرجت بعض المحطات بعيدا عن عباءة بعض الحكومات ، وتخلصت من سيطرتها . فقد وجهت بسيطرة المال وأصحاب شركات الدعاية والإعلان ، حيث أصبحت هناك برامج عديدة تبث مواد إعلامية منافية للأخلاق والقيم والتعاليم الدينية برعاية الشركات المعلنة
 -نظرية إنيس وماكلوهان وسمايث.

 يعتبر كل من " هارولد إنييس Harold Innis ومارشال مكلوهان Marchall Mcluhan ودلاس سمايث Dallas Smyth من الباحثين الأوائل الذين اهتموا بتكنولوجيا الاتصال في المجتمع . ويرجع تصنيفهم ضمن النظريات النقدية إلى ارتباطهم معا وتحليلاتهم الأدبية . وإذ يرجع الفضل إلى ماكلوهان في انتقال النظرية الثقافية النقدية إلى الولايات المتحدة خلال الستينات . أما إنييس فكان ينتمي إلى الماركسية المحدثة ، وتوازنت أفكاره وأفكار سمايث بشأن وسائل الإعلام
 ولقد نشأت أعمال إنييس بعيدا عن دراسته للتاريخ السياسي والاقتصادي لكندا ، حيث كان متأثرا بالعلاقات الإتصالية ( النقل والتجارة ) بين كندا وأوروبا من جانب وكندا والولايات المتحدة من جانب آخر ، بل بين الكنديين أنفسهم . وقد طبق منظوره التحليلي على دراسة تطور المجتمعات في العصور القديمة و الوسطى ليوضح تغيير عملية نظم الاتصال وتغيير بناء المؤسسات في المجتمع ، وكذلك أشكال القوى السياسية والاجتماعية وتغيير الأولويات وقيم المعرفة . وقد نظر " إنييس " إلى المعرفة بأنها ليست ببساطة عمليات مجردة من التراكمات ، ولكنها أكثر من مشهد متغير . ويتغير أساساً وفقا للترتيبات التكنولوجية والمؤسساتية
 أما مارشال ماكلوهان فكان دارسا للأدب ومفتونا بالإعلام ، واهتم بالتاريخ وتأثر كثيراً بالدور التاريخي للإعلام . وركز جل اهتمامه على تكنولوجيا الإعلام؛ إذ يرى أنه لا يمكن النظر إلى مضمون وسائل الإعلام مستقلا عن تكنولوجيا الوسائل ذاتها. فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية القضايا، والجمهور الذي توجه له رسالتها يؤثران بالطبع فيما تقوله تلك الوسائل. ولكن طبيعة وسائل الإعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات اكثر مما يشكلها مضمون الاتصال. وقد اخذ »ماكلوهان« من التاريخ ما نستطيع أن نسميه »بالحتمية التكنولوجية« Technological Determinsm
 وقد ركز "ماكلوهان" على التفاعل الحادث بصفة خاصة بين الفرد وتكنولوجيا الاتصال . فقد رأي التليفزيون وسيلة حسية جذابة لا تتيح للإنسان التخيل مقارنة بالإعلام المطبوع . فالطباعة من وجهة نظره وسيلة ساخنة بينما يعتبر التليفزيون وسيلة باردة . فالأدوات الميكانيكية ساخنة والبرامج والأدوات المصنعة يدويا باردة . فالوسيلة الساخنة تشجع على الاستهلاك السلبي ، والإعلام البارد يشجع على المشاركة الفعالة
 ويبدو من تحليل أفكار إنييس وماكلوهان أن هناك أوجه اتفاق واختلاف بين أعمالهما . فقد كان كل منهما لديه المقدرة على تطبيق التحليلات المقارنة بطريقة مباشرة في مجال القضايا المتشابهة. فبينما كانت المجتمعات والحضارات هي وحدة التحليل عند إنييس ، كان الفرد وحده التحليل عند ماكلوهان . وعندما تحدثا عن تكنولوجيا الإعلام رأى ماكلوهان تكنولوجيا الاتصال الجديدة امتدادا للإنسان وأداة للتغلب على كل أنواع المشاكل
 أما أعمال "سمايث" عن وسائل الإعلام ، فقد ركزت على قوة وسائل الإعلام في تقييد التفكير المستقل وقنوات الرأي العام, ولها تأثيراتها على اختيار المستهلك والديموقراطية وحقوق الإنسان . وقد استخلص من دراساته أن الإعلام يمكن أن يكون داعما لإبداع الإنسان وليس السيطرة عليه بشرط وجود مشاركة مناسبة من قبل الجماهير في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
 وبالرغم من أهمية أفكار »ماكلوهان« وخاصة في حديثه عن الوسائل الساخنة والباردة، لكن يعتبر بعض الباحثين أن موقفه العلمي مبهم وغيبي لأنه يقدم وسائل تخضع لتفسيرات مختلفة، ولكنها تنشط التفكير فعلا. فبينما يعتبر تأكيد »ماكلوهان« على تأثير الوسيلة نفسها نافعا ومفيدا، تبدو تأثيرات الرسالة نفسها متنوعة أكثر من الوسيلة نفسها. فالرسالة هي الرسالة والوسيلة هي الوسيلة. وكل واحدة تؤثر في الأخرى بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى. فالأخبار في رأي بعض الناس هي الأخبار بصرف النظر عن الوسيلة التي تنقل بها إلى الناس
 ويستدل من تحليل أفكار إنييس وسمايث وماكلوهان أن هناك سمة أساسية تجمع أعمالهم تتمثل في الاهتمام بتكنولوجيا الاتصال في المجتمع وتأثيراتها المتباينة . فقد ربط إنييس بين تطور المجتمعات وتطور نظم الاتصال ، وأوضح أن هذه النظم تساهم في تغيير بناء المؤسسات في المجتمع ، وكذلك تغيير أشكال القوى السياسية والاجتماعية . أما ماكلوهان فقد صك مصطلح " الحتمية التكنولوجية " مؤكدا أهميتها في فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات.
 الخلاصة
 وبعد عرض موقف النظريات النقدية من دراسة الاتصال الجماهيري نستطيع القول أن هذه النظريات حاولت تحليل وظائف وسائل الإعلام في المجتمع بطريقة واقعية . وقد برز ذلك في الهدف الذي سعت إلى تحقيقه ، حيث تهتم بالتركيز على مجموعة من القيم التي تسعى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية ، وتولى أهمية لاستخدام الصفوة للإعلام ، وكشف أثر سيطرتهم على الثقافة وأجهزة الإعلام . وبالإضافة إلى ذلك اهتمت بدراسة علاقة الإنتاج الإعلامي بالمشكلات الاجتماعية
 ويبدو من تحليل رواد المدارس الفكرية التي انبثقت عن النظريات النقدية إنها تشترك جميعاً في نقد وسائل الإعلام . فقد حاول أعضاء مدرسة فرانكفورت تسليط الضوء على الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تزييف وعي الجماهير كما ذهب "ماركيوز" ، وإبراز دور وسائل الثقافة الشخصية في خلق مسحة فردية ونمطية زائفة على المنتجات الثقافية كما ذهب "أدورنو" ، وأخيراً التأكيد على أهمية الإعلام في تشكيل الاتجاهات وتحويل المجتمعات من النظم الاستبدادية إلى النظم الديمقراطية الحرة كما ذهب "هابرماس "
 أما أعضاء الماركسية المحدثة ، فقد انقسموا إلى مدرستين هما الدراسات الثقافية البريطانية ونظرية الاقتصاد السياسي في الإعلام ، حيث ارتنبطت الأولى بأفكار ومناهج بحث ناتجة عن مصادر متنوعة تضم النقد الأدبي واللغويات والانثرويولوجيا والتاريخ، وحاولت هذه النظرية تتبع أثر سيطرة الحكام على الثقافة ومحاولة افتقاء أثرهم . وقد ساهم "جرامشى" في هذه المدرسة بتطويره لمفهوم "السيطرة"؛ إذ يرى أنها لا تعنى ببساطة فرض شيء معين فقط ، ولكن تظهر في نجاح طبقة معينة في إقناع الطبقات الهامشية بقبول الثقافة المسيطرة ، وفي الوقت نفسه تتشربها و تتبناها . وأهتم "اسيتورت هول" بتحليل وظائف وسائل الإعلام
 وأخيراً بالنسبة لنظريات إنييس وماكلومان وسمايث ، فقد اهتموا جميعاً بتأثير تكنولوجيا الاتصال في المجتمع . فقد ربط إنييس بين تطور المجتمعات وتطور نظم الاتصال . وركز ماكلومان على أننا لايمكن النظر إلى مضمون وسائل الإعلام بمعزل عن تكنولوجيا الوسائل ذاتها . أما أعمال سمايث فقد ركزت على قوة وسائل الإعلام في تقييد التفكير المستقل ، وكذلك على اختيار المستهلك والديمقراطية .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق